قصص من الميدان
بالتنمية يحضر الخير وتغيب الحرب
بعد تخرجي من الجامعة استدعاني برنامج روافد بصنعاء للتدرب ضمن التطوع لمناصرة التنمية الريفية وفيه وجدت ما لم أجده في دراستي السابقة كلها حيث رُويت العديد من المواضيع التنموية الجديدة كلياً. رجعت قريتي متحفزة للغاية لأبدأ التطوع في العديد من المبادرات الذاتية ومنها تنمية المراة الريفية بالتوعية الصحية ومحو الأمية ولا زلنا كذلك الى اليوم ولذلك ارتفع اسمي في القرية ليزداد دعم أسرتي لي.
اغتربت أمي سنوات عديدة للعمل لإعالتي وأخوتي الخمسة بعد وفاة والدي. كانت بين الحين والاخر تجلس عندنا فترة ثم تعود للغربة لمطاردة الرزق، الى ان بدأت الحرب لتتغير كل الأحوال للأسوأ، حتى أمنا لم نرها منذ اربع سنوات حيث آمنت بأن عليها استثمار كل يوم لتأمين متطلبات البقاء لنا في أسوأ أيام حياتنا. ثم فجأة، استدعاني الاهالي لاجتماع واذا به تشكيل مجلس تعاون مركز مديرية كعيدنة بمحافظة حجة حيث رشحني الأهالي وأصبحت عضوة فيه وتدربت على أمور تنموية كثيرة. وعند انتهاء احدى الدورات، المدرب بشرني وزميلتي بحصولنا على فرصة عمل في برنامج التمكين بعد ان تأكد اننا من شباب روافد. وعندنا لم يسعني الكون من الفرحة فها هي كثير من مشاكلي ستحل وسترتاح أمنا ونكيلتئم شملنا أخيراً.
عملت بكل طاقتي في مشروع تشغيل الشباب مع مجتمعات مديرية الشغادرة بروح الفريق الواحد وحققنا انجازات تنموية اشعلت في المجتمعات الأمل الذي اطفأته الحرب. انتهى عقدي ثم اذا برسالة من الصندوق الاجتماعي اختارني ضمن برنامج التمكين مجددا في مديرية كحلان الشرف النائية ذات الجبال الشاهقة ومجتمعات بسيطة لم يكونوا يعرفون للتنمية معنى، لا تعليم لا صحة ولا طريق لا صرف صحي ...الخ. وبعد أيام قليلة من التحفيز والتوعية واذا بكافة القرى تتنافس بقوة لتنفيذ المبادرات بعد تشكيل وتدريب 808 عضو وعضوة نصفهم نساء ل 41 مجلس تعاون قرية. وتم تنفيذ 470 مبادرة بتكلفة تقدر 35 مليون ريال مع مئات الجلسات التوعوية ضد الكوليرا والصرف الصحي غير الآمن. كانت أكبر ورشة عمل للتمكين في حجة بكاملها ولذا ومع خروجنا، خرجت المجتمعات وأعينهم تبكي لفراقنا.
وكأن برنامج التمكين طائر يجول ليشعل ناقوس الامل لتلك المجتمعات ويحط رحالي للمرة الثالثة بمديرية بني قيس التي غابت فيها الحرب وحضرت الجهود والتعاون والود ومئات مرافق الخدمات الجديدة.
كانت تجارب جيدة لاتذكر غربة أمي الطويلة وها أنذا أكرر تجربتها رغم فارق ضخامة شقاءها لأجلنا. وبنهاية العمل، عدت قريتي وكانت ايام عيد الاضحى المبارك ويدي تحمل لأخوتي مبلغا جيداً وكسوة العيد وفي رأسي حماس وافكار تجاوزا أثقال يديّ. وكان من اجمل الاعياد بعودة أمي بعد غياب اربع سنوات وإن كانت بحالة صحية متدهورة، وبالكاد أقنعت أمي بالتوقف عن الغربة وتسلمي دفة قيادة احتياجات البيت. حصلت على 3000 دولار كأجر قضيت منها جزءاً كبير من الديون المتراكمة وبجزء مواد غذائية هامة وجزء انفقته في ترميم منزلنا الذي أوشك على السقوط وجزء منه اعطيته اخي لشراء بعض قطع غيار لسيارته التاكسي كمصدر دخل.
حماسي لم يتوقف، فبدأت بتفعيل مجلس تعاون قريتي بمركز كعيدنة طوعياً مع تجاوب وننتهي من تنفيذ ١٤ مبادرة خلال عام ٢٠١٨م. واليوم نخطط وندبر التمويلات لتحقيق اكبر مبادرة تمثل اشد الحاحاً (بناء وتجهيز مركز تدريب وتأهيل المرأة الريفية) من اجل تحسين مستوى دخل النساء.
نعم واجهت العديد من الصعوبات كوني فتاة لكن جذوة الحماس لن تنطفئ طالما اهتديت الى مهارات التنمية، رأسالمال الذي لا تنتهي فرصه وموارده.
بقلم الاستشارية ( ن. م.)
إنضم إلينا